ما الفرق بين الجنرال في البلاد العربية والجنرال الإسرائيلي؟ إذا طرحت هذا السؤال على مواطن من البلدان الغربية، يجيبك أن الجنرال العربي يبقى عسكريا إلى الأبد، مهما تغيّر هو ومهما تغيرت الظروف. إنه الحاكم المتشدد، الذي يتسلط على بلده وشعبه. إنه الرجل الذي يرفض الديمقراطية والتداول على السلطة. إنه القائد والزعيم الذي يصنع الصغيرة والكبيرة، ويدعي أنه يصنع المعجزة. إنه مستعد أن يضحي بمصالح شعبه للبقاء في السلطة وجمع الثروات. إنه الرجل الذي لا يغادر السلطة إلى ليوارى التراب، أو ليوضع في السجن بعد انقلاب من طرف جنرال آخر.
وإذا تكلمنا عن البلدان العربية التي تجاورنا شرقا، من الجزائر إلى مصر مثلا، مرورا بتونس وليبيا، فإننا نجد في السلطة عسكريا يعانق عسكريا. إنهم في السلطة منذ عقود، ولن يغادروا السلطة إلا بعد البحث عن كل السبل التي تسمح لهم بوضع أهاليهم في الحكم. وإذا تكلمنا عن ليبيا مثلا، فسنجد أن هناك مواطنين سيعيشون سبعين سنة ولم يعرفوا طول حياتهم حاكما آخر غير السيد معمر القذافي...
أما الجنرال الإسرائيلي، فإنه، بالنسبة للمواطن الغربي، رجل يحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان. إنه الخبير الذي يقوم بالحرب »النظيفة« التي لا يتم خلالها المساس بالمدنيين. إنه المسئول صاحب التكوين العالي، الذي يتقن فنون الحرب وعلم السياسة. إنه الرجل الذي كسب التجربة في الميدان، وتعلم في جبهة القتال، حتى وإن لم يقاتل إلا أطفال فلسطين. ويبقى عدد الضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا على أيديه شهادة على وطنيته.
وفي الانتخابات التي جرت قبل شهر في إسرائيل، كانت المنافسة بين جنرال، إيهود باراك، ومتعامل مع جهاز المخابرات »الموساد«، بن يامين نيطانياهو، ومسئولة سابقة في الموصاد، تزيبي ليفني. ولو تنافس مثل هؤلاء في بلد عربي، لكان الأمر كافيا ليدفع كل الغرب إلى المقاطعة والتنديد بالعنصرية والفاشية. لكن الأمر يجري في إسرائيل، وبالنسبة للإسرائيليين، كل شيء مباح. وقتل الفلسطينيين شرط أساسي لاكتساب ثقة النظام الإسرائيلي والوصول إلى مناصب عالية. ولا أحد يتجرأ لينتقد هذه »الديمقراطية« التي يتداول على الحكم فيها جنرال تلو الجنرال. ويمكن أن نذكر أن الوزير الأول قبل سنوات قليلة كان جنرالا، إيهود باراك، وجاء من بعده جنرال آخر مشهور بجرائمه، وهو أريال شارون، قبل أن يتم تنظيم انتخابات تتميز بأن أبرز المتنافسين فيها جاؤوا من الجيش أو المخابرات...
لماذا هذا الفارق؟ لماذا تعطى صفة الديمقراطي لجنرال يحكم ذاك البلد وترفض تلك الصفة لجنرال أو حتى لمدني يحكم بلدا آخر؟ إن الجواب السهل يتمثل في اتهام البلدان الغربية بالتواطؤ مع إسرائيل. وفعلا، مهما يقوم به القادة الإسرائيليون، فإن تصرفهم سيبقى مقبولا في نظر الغرب. أما العرب، فإنهم سيبقون متهمين مهما فعلوا، وإن كانت أفعالهم قليلة جدا في ميدان التفتح الديمقراطي.
لكن هذا الانحياز الغربي غير كافٍ لفهم الفرق بين صورة الجنرال العربي وصورة الجنرال الإسرائيلي. فالنظام الإسرائيلي مبني على حد واسع من التمثيل الحقيقي للمجتمع الإسرائيلي ومصالحه الاستراتيجية، كما أنه يبحث كثيرا عن الإجماع والتشاور رغم أن الجنرالات يلعبون فيه دورا أساسيا. ويتحدث الإسرائيليون بكل ديمقراطية عن طريقة قهر الفلسطيني...
ومن جهة أخرى، فإن النظام الإسرائيلي يمنح الحصانة القانونية لقادته، لكنه لا يجعلهم فوق القانون. والدليل على ذلك أن رئيسا سابقا، وهو مناخيم معزوز، متابع أمام العدالة بتهمة الاعتداء الجنسي، بينما الوزير الأول الحالي إيهود أولمرت متابع كذلك بتهمة الاستيلاء على أموال بطريقة غير شرعية. وهذا غير وارد في أي بلد عربي.
وأخيرا، فإن النظام الإسرائيلي مبني على الفعالية العلمية والتكنولوجية، بفضل مؤسسات يعمل كل الأطراف على احترامها وصيانتها. ويسمح ذلك بتجديد النخبة السياسية، مع المحافظة على ما هو أساسي. عكس ذلك، فإن البلدان العربية تظهر جامدة متحجرة. وإذا عدنا إلى البلدان العربية التي ذكرنا من قبل، نجد في الحكم جنرالين، السادة حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس، وعقيد، السيد معمر القذافي في ليبيا، وضابط سابق تحول إلى دبلوماسي، السيد عبد العزيز بوتفليقة. ويوجد هؤلاء في السلطة منذ عقود. وإذا جمعنا فترة حكم الأربعة، نجد أنها تبلغ قرنا من الزمن بالضبط: عشر سنوات للسيد بوتفليقة، واثنتين وعشرين سنة للسيد بن علي، وثماني وعشرين للسيد مبارك، وأربعين سنة للسيد معمر القذافي... وتجاوز حكم العقيد القذافي لوحده مجموع حكم روزفلت وديغول وتشرشل وكينيدي... أما فترة مبارك، فإنها تجاوزت حكم الخلفاء الأربعة...
الكاتب عابد شارف
جريدة الشروق 19/03/2009